الجمعة، 19 أغسطس 2016

تأمل في الأصفر





تأمل في الأصفر

" لون ا لكاريبي الأصفر كما يري من جامايكا عند الثالثة بعد الظهر."
غابرييل غارسيا ماركيز

1
عند الثالثة بعد الظهر
رسوتَ هنا
على الالدورادو
(لحرارةٍ توّلد الذهب
وتشعل الدماغ)
كنتُ لو علمتُ 
خمرّت لك
بعض عشب الحمى الصفراء
والزرنيخ

 كنا مسالمين حينها
كأطفال في فجر براءتنا
الأصفر

لمبادلة عقد من الجزر
وقارتين
أعطيتنا عقد خرز
وبعض أجراس الصقور
لم أُمانع شخصياً
فما أردت يوما حيازة الأشياء
مفضلا النحاس على أي حال
برائحته التي تسعد
(يوكاهونا) إلهنا
وأُمنا (اتابيريا)
إنه الذهب
والنحاس المطروق في دروع
الملبوس في القلائد الشمسية
التي يفضلها رجالنا المقدسون
من خدعك لتظن أننا
 نملك شيئاً حقيقياً
(لم تكن أخر من يخدعه الزنجار )

الفضة
ذلك المعدن
أجده باردا قليلا
وكنت أتركك تأخذ
محتويات مناجمنا
من أجلِ مرآة صغيرة واحدة
تجعلني أمسك الشمس
وأحملها

أحب الشعور بأني حي
بكل احتمالات الأصفر

يضرب البرق
بينما ترشفُ الشاي
عند الثالثة بعد الظهر
غير متمالك لنفسك قليلا
برغم ممتلكاتك المتنوعة
(أمتن لملاحظة أنه
 على إختلاف ألوان بشرتنا
فلبولنا الدرجة نفسها
بالضبط من اللون الأصفر)

أتمنى لك
وعياً مفاجئاً لتُدرك
أن الشرق ليس هنا
لاشيء من اليابان
أو الصين هنا

حين جئت
الكثير من الموز
البرتقال
وقصب السكر
أعطيتنا مقابل
الذرة
والأناناس
والجوافة
تأملتُ ذلك
واعتبرته مقايضة عادلة
ولكنه كان الذهب
الذي ببالك
ذهبٌ يلمع
في عينيكَ
ذهبُ تاج ملكة اسبانيا
( كانت لها ابنة)
ذهبُ جائزة حياتك
المجد المتوجُ
بوابة السماء
المذبح الذهبي
(رأيته في اشبيلية
بعدها بخمسمئة عام)
اعتقدتَ أنني لن ألاحظ
(ما أثار رعبي)
فضيٌ كان درعكَ
فضيٌ صليبُ إلهك
فضيٌ الفولاذُ في ملامحك
فضيةٌ ومضةُ سيفك
فضيةٌ الرصاصة
التي التقمتُها

حربة الماكا الذهبية
والأعشاب
 علّمت مرورنا
ناجون وحيدون
على أرض مخططة بالأصفر

 نحن الهنود الطيبون
الهنود الحمر
الهنود الميتون

لم نكن ذهبيين
 وكنا
بلون بُني غامق


2

في فندق ما
متأملاً البحر
تتناول الشاي
عند الثالثة بعد الظهر
أقدمه لك بنفسي
جلدي محروقا محمصاً
(ما تعتذر الإدارة عنه)
لأني كنت مسافراً
 بعيداً عبر البحر
في وهج الشمس
كُنتُ عبداً في صفوف القصب
ليكون لك السكر
أُنضِّجُ حبوب القهوة
لاستراحتك الصباحية
أعابثُ أرصفة الموانئ
محّمِلاً موزك
أكدحُ في بساتين البرتقال
لتحصل على المربى
أنزع قشر الزنجبيل
من أجل نكهتك
أقطع ثمار الكاكاو
لتنال قطعة الشكولاتة
وأنقّب عن الألومنيوم
لتصنع الرقاقات

أعتقدتُ أن
بوسعي الإستراحة
وسكب شيء يخصني
- شيئاً مريحاً
كعشبة الحمى والليمون-
مقطّعا بأصابعي العشرة
في المطبخ
وممسكاً بخمسة
وصل أناسٌ جدد
واضّجعوا عُراة المؤخرات
 في الشمس
يريدون الذهب على أجسادهم
صفوف القصب في شعرهم
مع الخرز وحتى الاجراس

 قدمت لهم
القهوة
الشاي
حساء الديك
الروم
بيرة الشريط الأحمر
السانسميليا
وصففتُ شعرهم بالقصب
وخرزات من عندي

ولكنهم ظلوا
 يرغبون المزيد
يريدونه قويا
 طويلا
 أسود
 أخضر
يريدونه يثير الرهبة في النفس

لستُ محب شجار
وكنتُ لأقول:
 حسناً
لقد تعبتُ الآن

أعطيتكم الذهب
 ومنحتكم الأرض
 النسيم
الشواطئ
 الرمل الأصفر
 البلورات الذهبية
ووصلت الى مرحلة
 علّي عندها
(برغم أنى لستُ فضًّا)
أن أقول:
احتملوها
أو اتركوها
لا يمكنني منحُ المزيد

ليومٍ واحدٍ قبل أن أموت
قيدَ خمسمئة عام من الرق
علَّي أن أغادر المطبخ
 الى الفيراندا الأمامية
متأملاً بحر الكاريبي
أرشُفُ شاياً حقيقياً
بالعسل والليمون
وأتناول خبزا
(محمصاً قليلا ومغرقاً بالزبد)
مع مربي برتقال أشبيلية
أردت الشعور باني يانع
في صُفرة الساعة الثالثة تلك
أردت إدراك أنك
برغم امتلاككَ
أوعية الشاي الفضية
وسفرة العشاء
فأنت لم تعُد
تملكُ هذا المدار الإستوائي
مطلقاً بعد الآن
أردت الشعور بأنك
لن تقدر أن تأخذ
ما يتساقط من قطرات الشمس
لمحادثة قصيرة
كل يوم
أردت الشعور
أنك لن تُوقف
تفجّر رماح الماكا الصفراء
 من الأرض
لتُذكرنا نحن بما
دُفن هنا
لايمكنك أن تُوقف
فتيات الشوارع
 المستهترات
شجرُ الألماندا
      الكاسيا
      البويي
وشجر الحمام الذهبي
وهن يتبخترن
 في كل مكان

أردت أن احس انه :
لا يمكنك تمزيق
 الأغنية
من حنجرتي
لا يمكنك محو
الذاكرة من قصتي

لا يمكنك متابعة إيقاعي
(يتوجب عليك أن تولد به)

لا يمكنك أن تدرك سحر
الأنكانوندا التي تتحول الى أنهار
مثل الأمازون
البوا العاصرة
وهي ترقص في حديقتي
متقوسة الى قوس قزح
(وأنا بلا قطرة من شرابٍ بعد)

لا يمكنك أن تُزيل
نغمة بوب مارلي
التي تجعلني
شاعراً بحّرية  تامة
في ذلك الإصفرار الكاريبي
عند الساعة الثالثة
مُطلَقاً في أي يوم
بعد الآن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...