الأربعاء، 17 مايو 2017

من رواية انطون فولدوين - "مابعد الغرابة في 10 دروس.الدرس 11"





              أمضى لوتز باسمان أيامه الأخيرة كما نفعل جميعا ، بين الحياة والموت. الرائحة العفنة الراكدة في الزنزانة، لم تأتي من شاغلها، بل من الخارج. كانت مواسير بالوعات المدينة تختمر، وكانت الأرصفة في الميناء تطلق انبعاثاً  زنخاً ، كانت الأسواق المغطاة نتنة بشكل رهيب، كما تكون غالباً  في فصل الربيع عندما تبدأ  المياه ودرجة الحرارة في الارتفاع. لم ينخفض الزئبق في موازين الحرارة ​​أبدا عن 34 أو 35 درجة مئوية، وكان دائما ما يتراجع عن انخفاضه الليلي ليفسح المجال أمام ترمُّد جائر . ملائط من الفطر انتشرت على كل جدار. في الساعات التي تسبق الفجر،ازدادت سطوة الظلمة في أعماق الرئتين، تحت السرير، وتحت الأظافر. الغيوم تتفجّر الى شلالات  لأدنى ذريعة. ضجيج العاصفة سكن الجميع. منذ أن انتاب باسمان الشعور بعدم الارتياح، لم يتوقف المطر عن صخبه أمام واجهة السجن، مؤثثا الصمت بصوت الرصاص. فتدفق على السطح الخارجي، وعبر فوق حافة النافذة، ورسم بشكل كالح خطوط الصدأ تحت القضبان، على لوحة الإعلانات حيث عمّد بعض الحراس "مجلس النقابة" والتي اشبهت تكعيبا قديما جدا أو كولاجاً مستقبليا، كثيفا جدا ، ومتلاشى تماما . الماء يتعرج بين الصور ومقاطع من الصحف ثبتها بسمان هناك، والتي سندت إقامته في  هذا القاطع ذو الحراسة المشددة ، فيما بيننا: كانت هذه الرحلة الساكنة مستمرة منذ سبع وعشرين عاماً،  بطول سبعة وعشرين عاما ، طويلة، أطول من السنوات الطويلة. ثم، التقى السائل القذر تواً مع شريط اسود رقيق يشق طريقه الى الجزء السفلي من الجدار، وبذا اختلط مع الرشح المتسرب من السباكة، ربما في أنبوب دفق المرحاض. لا شك انه هناك، نعم، في هذا الأنبوب، أو في أنبوب من نفس النوع. على مدى عدة أشهر، كانت الرطوبة قد اخترقت الاسمنت، فتوسع تدريجيا. وهكذا، عندما ينخفض الضغط الجوي، تفوح الرائحة الكريهة. وهكذا هي هذه الموجات التي ضوّعت المكان بشدة، على غرار عطن جثة في مسيرها نحو الفناء . كانت الإدارة تنتظر وفاة باسمان قبل القيام بأي تجديدات. وكان الحراس قد أعلموا هذا السجين بالصراحة المنفتحة العهودة بين الاجلاف من ذوي القدمين ، وبدون مخاتلة، لأنهم في نفاد صبرهم لرؤية نهاية التاريخ لم يكونوا ليخدعوا احداً أمامه وهم يتداولون  حتفه . باسمان نفسه لم يكن ينتظر شيئا. واجه بورتريهاتنا التالفة وجلس هناك يراقبها. كان يفكر في الصور المسامية، غير المقروءة تقريبا، الصور القديمة لأصدقائه، رجالا ونساء، جميعم موتى، تطلع الى الخلف نحو متاعب من يدري ما هي، وفي الوقت نفسه،  نحو حقيقة أنه عاش بشكل رائع بصحبتهم ، عندما كانوا كلهم احرارا ومشرقين، في ذلك الوقت الذي كنا فيه جميعنا، من أولنا إلى آخرنا، شيئا آخر غير هذا . ولكن ذلك ليس مهما. لقد قلت "وجوهنا"، و بيننا "نحن"، وكلنا "نحن". هذا نهج الكذب الأدبي، والذي هنا ، يتلاعب بحقيقة مخبأة  في منابع النص، بدون كذبة تُدرج في الواقع الحقيقي، في أماكن أخرى بدلا من السرد. فلنقل، من أجل تبسيط ذلك، أن لوتز باسمان كان المتحدث في النهاية، سواء باسمه أو باسم الجميع وكل شيء. هناك العديد من المتحدثين: لوتز باسمان، ماريا شراج، خوليو سترناجن، أنيتا نغريني، إيرينا كوباياشي، ريتا هو، اكوب خادجباكيرو، أنطوان فولودين، ليليث شواك، إنغريد فوجيل. تحتوي هذه القائمة على أخطاء متعمدة وغير مكتملة. وهي تتبع مبدأ ما بعد الغرابة الذي ينص على أن جزء من الظل يقف دائما في لحظة التفسير أو الاعتراف، ليعدّل الاعتراف إلى نقطة تجعله غير صالح لاستعمال الخصم . ليتقصّد المظاهر ، والقائمة ليست سوى وسيلة ساخرة لاخبار الخصم مرة أخرى أنه لن يستفيد شيئا. لأن الخصم  دائما مترصد مشارك، مقنّع ويقظ من بين القراء. يجب أن نستمر في الكلام بطريقة تحرم الخصم من أي ربح. وعلينا أن نفعل ذلك حتى ونحن نشهد أمام محكمة لا نعترف بسلطتها. ونحن نضع إعلانا رسميا، بلغة تبدو وكأنها نفس لغة القضاة، ولكنها لغة يستمع إليها القضاة بفزع أو ملل، لأنهم غير قادرين على فهمها. . . نحن نتلوها  لأنفسنا وللرجال والنساء غير الحاضرين. . . ملاحظاتنا تتنسق دون أي تحايل على العبارة مع فهم القضاة. . . لم يكن هناك شيء غير عادي حول المطر الذي صات ورّن  من عذاب باسمان خلال هذه الفترة؛ كان متوقعا تماما في شهر نيسان / أبريل. في هذه المنطقة، وقد لمستها نهاية ذيل الريح الموسمية، كنا عادة ما لا نربط الربيع بالولادة الجديدة للخضرة  كما هو التقليد في الأدب الغربي ، بل بالجلبة البطيئة الصاخبة  للفيضان، بلل الزذاذ، والأجواء الكريهة الرائحة . في داخل السجن، تتفاوت الأوبئة في الشدة  كل ثانية، وهي تجوس بطريقة لا يمكن التنبؤ بها وتمنع أي تحصين. شعور بالاختناق يعذبنا من الفجر إلى الفجر. ليس من المستغرب اكتشاف أن الأمراض النفسية الجسدية تنبثق خلال هذه المرحلة من طور السجن. مضيفة متاعب التنفس الي مشاق العزلة. كان صعبا للغاية بالنسبة لنا أن نتحدث عبر الزنزانات، بسبب كل الضوضاء التي في الخلفية، من العزف الرتيب والتقاطر التي يتواصل طوال الوقت، مما يخالط محتوى رسائلنا. في تلك السنة، كانت "نحن"، وأكثر من المعتاد، كذبة أدبية، واتفاقا  في السرد  مثلما كان لوتز باسمان  تماما لوحده. الآن هو لوحده. لقد وصل إلى لحظة مغامرتنا المشتركة التي وصفها العديد منا، في الكتب المكتملة أو غير ها، مثل تلك الهزيمة في نهاية المطاف. عندما يكون آخر عضو على قيد الحياة مسجلاً على قائمة الموتى – و في هذه المرة  كان هو  باسمان - تأتأ بمقطعه النهائي، ثم، على هذا الجانب من القصة وكذلك  فيما أبعد منه، الخصم فقط من سيواصل التبختر  نحو الأمام ، غير مهزوم ، دون أن يقهر، ومن بين ضحاياه ، لن يجرؤ أي متحدث الآن على تفسير أو إعادة تفسير أي من أصواتنا، أو أن يحبنا. جلياً برغم  الشخصيات المتشضية التي تُفسد عذابه، سعى باسمان لمجرد التواصل مع الموتى. ولم يعد يتنصت على أنابيب المغسلة أو الباب، قائلا، على سبيل المثال، "انادي الزنزانة  546"، أو على السيفون المقفل  وراء مقعد المرحاض.مناديا الزنزانة 1157 او على قضبان النافذة قائلا " باسمان يستمع ..اجب ارجوك .." هو لايقرع شيئاً الآن . مركزا نظرته علينا ،على صور اولئك الذين سبقوه الى الاختفاء .

الخميس، 11 مايو 2017

أندرو مايكل روبرتس - على شيء ما أن يحدث لاحقاً .20 قصيدة.







1

عزيزي الخلاء المهجور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .


أنت قنبلة
صغيرة

موقوتة.

زحفتُ مقترباً  ولمستك
في نومك الحامل

بلهب
لساني.

هل لو عضضتك
وابتلعتك،
 ستنفجر في؟



نحن لسنا طيورا
. . . . . . . . . . . . . . . 


 هذه العجلة الجميلة ستكون نهايتنا.
تلك هي النجوم في أسناننا.



اشرح نفسك
. . . . . . . . . . . . 


كانت حياتي هكذا عندما وجدتها.
لذا مشيت معها الطريق بأكمله.
لحقني الجبناء، وهو ليسوا ملكي.


بين أوهام جميلة
. . . . . . . . . . . . . . . .


وجدتك  مكسوا بريش  على ظهرك الصغير
 بين العسل والعواصف الرعدية.
 غمزتَ ، فانتسجت المجرة بالحياة.

أمسكتَ مذنّباً
يتوهج في منقارك
من نهاية ذيله المجنون.



قصيدة مكتوبة على مرآة بشرتها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


كل نَفَسٍ مُضاء
هو القمر
ينزلق داخل نفسه.


عزيزي الرجل المشتعل  
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 


انت  نفاية
جميلة .

لا تمت،
لا تستحل باكراً  جدا
الى دخان مظلم  كالأذرع

يُقذف على  وجه
المدينة

الوطن البائس
لجميع عيوننا.


شخصية مأساوية في الخلفية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


لزمت مطرقة
لزجاجي الأمامي.
الآن شبكة عنكبوت
تمتد بين المستقبل
و بيني.
انها  رائعة ،
بشفافيتها ،
الشمس الموشورة
التي
لا استحق .


القمر
. . . . . . . . .


جميع الأقمار الأخرى
نالت اسماءها الخاصة .




ما أعرفه من القمر
. . . . . . . . . . . . . . . . . .


أنا نصف نفسي فقط.
و الجانب الآخر
فكرة  مبهمة
أحب أن اؤمن بها.




مجمع تجاري
. . . . . . . . . . . .

  
نتوقف لمشاهدة
النوارس تتحاشد
على برغر كينغ.




طيور الجنة
. . . . . . . . . . .


عبر الصحراء قبّلنا
وحلمنا  بجزر عرجاء .
لم نكن  وصلنا  ديارنا بعد
و بحر من الجواميس
يحملنا على ظهره.




قبل أن نستغرق في النوم
. . . . . . . . . . . . . . . . . ........ 


أنا أحفظ حياتي
لذلك تبقى مكانها
عندما أصل مرة أخرى
في الصباح.




السنونوات بنت عشها حوله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ......

انها تنصبه
على قائمة ،
تصعد
لتحيك أضواء صغيرة
بالداخل.
النبض،
نصف القمر الذي وراءه.
يمكنك  أن تشتَمَّ
الثلج
القادم .




عندما كنا عمالقة
. . . . . . . . . . . . . . . .


ذات  وقت  كنّا 
طوالا بما يكفي
لنسمع
صراخ الاوزالضائع الرقيق
أن يسمح له بالخروج
من  السماء  .





مرة أخرى أطرق نافذتك في طيران تام
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حلمت بالأصابع
وادواتها المعقدة،

شخص ما يحملني
من غرفة الى غرفة

بينما أنا أغني.




القلب الاصطناعي العزيز
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


على الحافة الصامتة
للنوم أسمع

حشوتك البلاستيكية المتقنة
تصطفق وأعرف

أني أكثر
من نصف حي.

دمي يضيع قليلا
في غرفك الغريبة ،

هذا البيت الخاوي
كثير جدا بالنسبه لي.

القمر بالخارج مثل الثلج،
تحذير معلق

فوق أرض
اصطناعية

.

قَسم الولاء
. . . . . . . . . .


لدي شعر مستعار لا اضعه .
هو شكل بلدي ليلاً
يصرخ  لي  كي أرفعه عن
 خطافه البارد.




وجه يسوع في أثر عضتي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


أسنانك المقدسة تغّني
قصة حياة جلدي.
والنجوم
المكسورة التي تركتها تمضي
وتسقط  عبر السقف
في عيني.



مغسلة  عند نهاية العالم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تُحسّ
بالخطورة المتنامية.
الغسالات تهز قيودها
وتولول.
شيء ما في داخلي
يقول أن للإنسان
 بندقية تحت معطفه.
وهو جاهز
عندما  تضرب العاصفة
فاتحة الباب
ليُطلق برده في
الزوايا  مُفسحاً المجال
للقمر
كي ينهار.
 ---------------------------------------------------------------------------
اندرو مايكل روبرتس  يكتب الشعر وهو ممرض  بقسم القلب  في بورتلاند باوريغون .حاز كتابه جائزة اياوه الشعرية. وصدر في العام 2009 

الثلاثاء، 9 مايو 2017

يوري اريرا. علامات تسبق نهاية العالم




الأرض

أنا ميتة ، قالت ماكينا لنفسها وكل شيء  يتترنح من حولها : رجل بعصا كان يعبر الشارع،   تأوه غائم ارتفع   فجأة عبر الأسفلت، وقف الرجل متسمرا  كما لو كان في انتظار شخص  اخر يكرر السؤال ثم انفتحت الأرض تحت قدميه  وابتلعته ، ابتلعت معه سيارة وكلب، وكل الأكسجين حولهم  حتى صراخ المارة.
 أنا ميتة لا محالة قالت ماكينا لنفسها، وما كادت  تقول ذلك حتى بدا جسدها ينازع هذا القرار واخذت قدماها تتأرجحان بشكل محموم الى الخلف ، كل خطوة كانت تجعلها قيد  بوصة من فتحة الارض، ثم أستقرت الهاوية اخذت شكل دائرة كاملة، وهكذا نجت .
مدينة زلقة عاهرة قالت لنفسها. يهمها دائما أن يغرق أحد مرة أخرى في دركها الاسفل .
 تلك كانت المرة الأولى التي تتأثر فيها بجنون الأرض. كانت بلدة صغيرة مزقتها  ثقوب الرصاص وتعاني أنفاقها الملل من خمسة قرون قضتها  في شهوة الفضة الشرهة، ومن وقت لأخر تكتشف  روح  بائسة ما  بالصدفة المحضة فقط  أى مهمة مزرية  انجزت  للتغطية علي ذلك . فقد أرسلت بالفعل بعض المنازل موظبة إلى العالم السفلي، وكذلك ملعب كرة قدم و  نصف مدرسة فارغة.
 تحصل هذه الأشياء  دائما مع شخص آخر، حتى  تحدث معك، فكرت ، وهى تلقي نظرة سريعة على حافة الهاوية، تعاطفا مع تلك الروح المسكينة وهي تشق طريقها الى الجحيم. مسارات سعيدة، قالت دون سخرية، ثم تمتمت  الافضل لي  أن انتبه لمهمتي.
نادتها والدتها، كورا،وقالت لها  اذهبي وخذي هذه الورقة لأخيك. أنا لا أحب أن أرسلك يا طفلتي ، ولكن من غيرك أئتمنه على هذه المهمة ؟ الرجال؟ ثم احتضنها، وابقتها في حضنها، دون دراما أو دموع عانقتها ببساطة . هذا ما تفعله كورا: فحتى لو كنت على بعد خطوتين منها  ستحس دائما كما لو انك في حضنها، تدس وجهك بين ثدييها البنيين العامرين ،وتستند الى  رقبتها الواسعة المكتنزة؛ و ما أن تتحدث إليك حتى تشعرأنك فى آمان تام.  قالت اذهبي إلى البلدة الصغيرة، وتحدثي الى الكلاب الكبار، وكوني لطيفة و سوف يمدون لك يد العون .
لم يكن لديها سبب للذهاب لرؤية السيد  دبل يو أولا ، ولكن التوق للمياه قادها إلى البخار حيث يقضى وقته. كان يمكنها أن تشعر بالارض على طول الطريق تحت أظافرها كما لو أنها كانت من  عليه ان يسقط أسفل الحفرة  تالياً.
كان الحارس الفخور، فتى دموياً فضحته ماكينا ذات مرة. وقد حصل ذلك بالطريقة الخرقاء التى تحصل بها مثل تلك الأشياء عادة، فالرجال، كل الرجال، مقتنعون بأنهم رماة مهرة ، و لأنه  أخطأ عند التسديد عليها  ،كان على ذلك الشاب أن ينكس رأسه كلما نظر اليها. تمشت  ماكينا وتجاوزته  فخرج من كابينته وكأنه يقول لا أحد يمر من هنا ، أو بالأحرى ليس أنت ، أنت بالذات  لن تمري من هنا،
ولكن دافعه ذاك استمر لثلاث ثوان، لأنها لم تتوقف وهو لم يجرؤ على قول أي من تلك الأشياء، لم يستطع سوى  رفع عينيه بنظرة مستبدة فى حين  مرت أمامه  ودخلت الحمام التركي.
كان منظر السيد دبل يو مبهجا ، وكل استدارته الشاحبة تغضنها  عروق زرقاء صغيرة.
كان السيد دبل يو في غرفة البخار. يقلب صفحات جريدة الصباح التى كانت تلتصق على البلاط وهو يقشرها عنه صفحة بعد أخرى  كلما  تقدم في القراءة.  نظر الى  ماكينا ، غير مندهش. وقال لها  ما الأمر. هل تريدين  بيرة ؟ نعم، قالت ماكينا. فأنتزع السيد دبل يو زجاجة البيرة من دلو من الثلج عند قدميه، مسح قمتها بيده ثم دفع بها إليها.  فتح كل منهما زجاجته وشربا  بنفس واحد، كما لو كانا في مسابقة. كانا في صمت  يستمعان لأصوات الماء  وقرقرته فى الداخل و الخارج.
- كيف هى السيدة العجوز؟ تساءل السيد دبل يو.
مر زمن طويل، منذ قدمت كورا  المساعدة الى السيد دبل يو  ؛ لم  تعرف ماكينا مالذي حدث بالضبط، ،  ففي الوقت الذي كان فيه  السيد دبل يو  يمضي هارباً  ابقته كورا مختبأً عندها  حتى  مرت العاصفة .  ومنذ ذلك الحين، صار القانون  هو ماتقوله كلمات كورا.
 - كما  تعرف.  لاتزال على قيد الحياة، كما يحلو لها القول.
 أومأ السيد دبل يو برأسه ، فأضافت ماكينا  أنها ترسلني فى مهمة ، وأشارت بيدها .
-  إلى الجانب الآخر؟  تساءل السيد دبل يو . أومأت  ماكينا نعم.
 - حسنا، أذهبي، وأنا سوف أرسل قبلك بكلمة. حالما تكوني هناك  سوف يستقبلك احد رجالي.
 - من هو؟
 - سوف يعرفك.
جلسا في صمت مرة أخرى. فكرت ماكينا انه يمكنها ان تسمع كل المياه في جسمها تشق طريقها من خلال بشرتها إلى السطح. كان ذلك لطيفا، كانت دائما ما تسمتع  بالصمت صحبة السيد دبل يو، منذ أن التقت به  لأول مرة  عندما كان مختبئا كحيوان ، خائفا،و نحيفا ،كانت تجلب له شراب  البالك[1] وشرائح البقر. ولكنه كان عليها أن تذهب، وليس فقط لتفعل ما كان عليها أن تفعله، ولكن لأنه مهما كان ضيقا وقتها  معه، فهي تعرف أنه لا يُسمح لها أن تكون هناك. كان شيء واحد يعطيها استثناء، وشيء آخر تماما يغير القواعد. شكرته، فقال السيد دبل يو  لا عليك من ذلك  ياابنتي، فأحست بالفخر.
 عرفت أين تجد السيد أتيش لكنها لم تكن  متأكدة من أنها ستستطيع الدخول عليه ، وعلى الرغم من انها تعرف أيضا الرجل الذي يحرس المدخل هناك، : (غطاء محرك السيارة) الذى قابلت كلماته المعسولة بالرفض والازدراء ، لانها تعرف  أمثاله. فقد قيل أنه قام بقتل امرأة، من ضمن  أشياء أخرى.
وتركها  ملقاة على جانب الطريق داخل برميل زيت بناء على أوامر من السيد اتيش. وعندما   سألته ماكينا  ان كان ذلك حقيقيا بينما كان يغازلها ، كان كل ما قاله هو ومن يهتم إذا فعل ذلك أم لا، ما يهم هو أني أرضيهم جميعا. وجدت ماكينا قوله ذاك مضحكا.
 وصلت الى المكان. حانة راسكولينكوفا[2] Pulquería Raskolnikova. كما تقول اللوحة، و تحتها، كان الحراس متواجدين .  لم تستطع تجاوز هذا الحارس ، لذا  توقفت أمامه وقاله له  أرجو أن تسأله إن كان سيقابلني. رد الحارس بنظرة جليدية مليئة بالكره وأعطى إشارته، دون أن يتزحزح من الباب؛ حشر قطعة من العلكة في فمه، ومضغها لبعض الوقت، ثم بصقها. ارسل عينيه فى ماكينا لفترة طويلة . ثم تحولت  نظراته الى  فتور، كما لو كان يتجسس  لتمضية الوقت، مثل متسكع في بار، عاد  واتكأ الى الحائط. صامتا لم يقل شيئا. فتذمرت ماكينا حتى تشدق الحارس: هل ستدخلين أم لا؟
كان من بالداخل  لا يزيد عن خمسة سكارى. من الصعب أن تقول على وجه اليقين، لانه  كثيرا ما يكون هناك  وجه ساقط  في نشارة الخشب. رائحة المكان، كانت كما ينبغي لها ، تفوح بالبول والفواكه المتخمرة. في الجزء الخلفي، يفصل الستار الحثالة من الناس عن كبار الشخصيات: على الرغم من أنه  مجرد قطعة من القماش، فلا أحد يدخل الحرم الداخلي من دون إذن. ليس لدي اليوم بطوله، سمعت ماكينا السيد اتيش يتكلم .
سحبت الستار جانبا فوجدت ورائه   القميص الذى طبعت عليه الطيور  وبريق الذهب حيث كان السيد اتيش يلعب الدومينو مع ثلاثة من البلطجية التابعين له . بدا لها  البلطجية  جميعا  متشابهين  و ليس لأحدهم أسما  بقدر ما أمكنها أن تعرف، وليس احد منهم دون سلاح . كان  هناك  السفاح  45 على جهة  السيد اتيش   وهما يلعبان ضد اثنين اخرين  من البلطجية   . كان لدى السيد اتيش ثلاثة أحجار من  الدومينو في يده وهو يحملق في ماكينا دون أن يقرر أن يضعهم . لم يكن يفكر  بدعوتها للجلوس.
لقد أخبرت أخي أين يذهب لتسوية بعض الأعمال.قالت ماكينا وأنا الآن خارجة للبحث عنه.
ضم السيد اتيش  قبضته حول عظام يديه وحدق مباشرة في وجهها.
 وهل كنت ستعبرين ؟ سألها بلهفة، وعلى الرغم من أن الإجابة كانت واضحة.فقد قالت ماكينا نعم.
ابتسم السيد اتيش، بخبث،  بكل الحذرالذى يملكه ثعبان يتنكر في زي رجل قد يلتف حول ساقيك. صرخ بشيء بلغة لم تفهمها ماكينا ، وعندما أطل البارمان  برأسه من الستارقال له احضر  بعض البلكي للسيدة الشابة.
اختفى راس البارمان ورد السيد اتيش بالطبع، يا سيدتي الشابة، بالطبع ...
انت تطلبين مساعدتي ، أليس كذلك؟ انا  فخور جدا لتوضيح ذلك انت تطلبين مني المساعدة وأنا،  أنظري في وجهي، أنا أقول لك بالطبع.
هنا تكمن الحيلة .  السيد اتيش كان  من النوع الذي لا يمكن أن يرى بغل دون ان تعتريه الرغبة في امتطاءه . ابتسم السيد اتيش وواصل الابتسام ، لكنه يبقى مخلوقا من الزواحف يلبس بنطالا. من يعرف  ماذا كانت  الصفقة بين هذا الثقيل و والدتها. كانت تعرف أنهم لن يتحدثوا عنها ، ولكنهم يتركونها لغطرسته كاحد كلاب الصفوة. نشر شخص ما  انه وكورا كانا على صلة، وقال أخر انه كان  لديهم فأس ليدفنوها معا ، وهي لم تسأل أبدا، لأنه إذا كان على كورا أن لا تخبرك فسيكون ذلك  لسبب ما . ولكن ماكينا اشتمت  رائحة الشر في الهواء. هنا تكمن الخدعة.


[1] البالك : شراب كحولي مكسيكي يصنع من نسغ نبات الماغوايي وهو نوع من الاغاف agave . المترجم
[2] - راسكولينكوف بطل الجريمة والعقاب لديستويفسكي. المترجم

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...