الاثنين، 3 أكتوبر 2016

من رواية : قصة أسناني - للروائية المكسيكية فاليريا لويزيللي

 
فاليريا وزوجها الروائي الفارو انريكو صاحب رواية "موت مفاجيء"

في سن الواحدة والعشرين،عرضت على وظيفة حارس أمن في أحد المصانع في فيا موريلوس، وذلك بسبب  التعقل عينه على ما أعتقد. ينتج المصنع العصائر. والعصائر بدورها، تنتج الفن. وذلك أن، الأرباح من مبيعات العصير مولت أكبر مجموعة فنية في القارة. كانت وظيفة جيدة لي منذ ذلك الحين، على الرغم من أنني لم أكن مسؤولا سوى عن حراسة مدخل المصنع ولا يسمح لي أبدا دخول المعرض حيث يعرض الفن، كان يخالجني شعور الحارس لتلك المجموعة من الكائنات ذات الجمال والصدق الحقيقي. عملت هناك لمدة تسعة عشر عاما.ماعدا ستة أشهر  كنت فيها مريضا بالتهاب الكبد، وثلاثة أيام  بسبب حالة لا تحمد عقباها من تسوس الأسنان انتهى بي المطاف فيها محتاجا إلى معالجة مزدوجة لقناة الجذر ، والإجازات السنوية،قضيت بالضبط ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر كحارس أمن بالمصنع. ولم تكن بالسنوات العجاف، لكنها لم تكن بالجيدة أيضا .
 ولكن ذات يوم  ادارت فورتونا عجلتها، كما يقول نابليون ، المغني. وفي نفس يوم عيد ميلادي الأربعين،تعرض مشغل البسترة لنوبة ذعر  بينما كان يقابل مرسول دي إتش إل، وهو رجل ممتلئ الجسم متوسط ​​القامة. لم يسبق لسكرتير مشرف اللدائن  أبدا أن شهد نوبة ذعر  من قبل واعتقد أن المرسول متوسط ​​الطول يعتدي على مشغل البسترة، لأن زميله قد أمسك بعنقه، واستحال لونه الى الأرجواني والبرقوقي، وجحظت عيناه الى اعلى ، وترك نفسه يسقط إلى الوراء، وانهار فاردا ذراعيه ورجليه على الأرض.
 أمرني مدير خدمات العملاء بالقبض على المرسول متوسط ​​الطول. ومنفذا تعليماته ، قدمت مباشرة نحوه المشتبه المجرم. صديقي القديم  وزميلي ال بيررو، واحد من السائقين بالمصنع،وصل لتوه من الباب. ركض نحونا وساعدني على مسك المرسول متوسط ​​الطول وتثبيته الى الارض . ولكن عندما ضربت المرسول في قاعدة عموده الفقري بهراوتي ليس بعنف شديد -  بدأ في البكاء بشكل جنوني. سمح ال بيررو له بالذهاب، فهو ليس ساديا بطبيعة الحال. بينما كنت ادفع المرسول للخروج، سألته، في لهجة أكثر لطفا،  عن هويته. فرفع احدى يديه عاليا، وضع الآخرى في جيبه وأخرج محفظته. ثم، مع رفع اليد، استخرج رخصة قيادته وسلمها لي، غير قادر على النظر لي مباشرة في عيناي : افيلينو ليسبر -اسم مثير للسخرية. طلب مدير خدمات العملاء مني أن أعود على الفور لمساعدة رفيقي المحتضر، لأنه كان لا يزال ملقى على الأرض،غير قادر على التنفس. قلت للمرسول متوسط ​​القامة أن بامكانه الذهاب و رغم ذلك، وفي الواقع، ما فعله كان مجرد الوقوف هناك والبكاء، استحم في الدموع كما قد تقول .ركضت إلى مشغل البسترة، واستخدمت الهراوة لمسح الممر من الفضوليين. ركعت نحوه ، واخذته في ذراعي، و لعدم وجود حل أفضل، احتضنته بصمت حتى مرت النوبة . ال بيررو، في هذه الأثناء، كان يواسي مرسول دي إتش إل إلى أن هدأ تماماً .
 في اليوم التالي،دعاني المدير إلى مكتبه وقال لي أني سوف انال ترقية .
 الحراس هم من الدرجة الثانية،شرح لي بشكل خصوصي ، ولكنك كنت رجلا من الدرجة الأولى.
 قرر كبار التنفيذيين، منذ ذلك الحين، أن يكون لي كرسي وطاولة  ، وستكون وظيفتي طمأنة أي عضو من الموظفين قد يطلب هذه الخدمة.
 ستصبح مشرف الازمات الخاص بنا ، قال المدير بابتسامة شريرة قليلا كابتسامة أولئك الذين اعتادوا زيارة طبيب الأسنان.
 مضى أسبوعان، وفيما كان مشغل البسترة في إجازة مؤقتة، ولم يكن هناك أحد في حاجة إلى طمأنة . وظف المصنع حارسا جديدا : رجل مليء بالدهون، ومتحمس جدا ورومانسي قليلا يدعى باسم هوتشيمين يقضى اليوم بأكمله في محاولة الدردشة مع الناس. التكتم فضيلة تقدرها قلة من البشر. نظرت اليه بعين الشك من موقعي الجديد. كنت قد مُنحت كرسيا دوارا قابلا للتعديل ومكتبا ذا درج يحتوي تشكيلة سماوية من الأربطة المطاطية ودبابيس الورق. كل يوم، كنت اضع واحدة منها في جيب بنطلوني وانقلها الى البيت. حتى تمكنت من بناء مجموعة جيدة.
 ولكن لم تكن أيامي جميعها بتلات مخملية وسحائب من حلوى الخطمي، كما يقول نابليون. بعض الموظفين في المصنع، وخاصة مدير خدمات العملاء، بدأ يشتكي أني الآن  يدفع لي كي أقضم أظافري وانظر الى السقف. بل ان بعضهم حاك نظرية المؤامرة التي تنص على أني و مشغل البسترة  قد قمنا بهذه الحيلة الصغيرة بحيث  منح إجازة مرضية مدفوعة الأجر لمدة شهر وتحصلت على ترقية- تماما كما في  القصص المختلقة أوالتدجيل على التعساء البائسين الذين لا يستطيعون التعامل مع حظ الآخرين الجيد. بعد اجتماع عام، رتب المدير لارسالي الي دورات متخصصة، لابقائي منهمكا ، وبالمرة ،اكتسب المهارات اللازمة لإدارة الأزمات المحتملة بين الموظفين.
 بدأت بالسفر. وأصبحت رجل العالم. حضرت ندوات وشاركت فى ورش عمل على طول الجمهورية وعرضها ،و حتى على مستوى القارة. يمكن أن أقول لكم أنني أصبحت من هواة جمع الدورات: في الإسعافات الأولية، وفي السيطرة على القلق وفي التغذية والعادات الغذائية ،الاستماع والاتصالات الفعالة ،نظام دوس ، الرجولة الجديدة، اللغويات العصبية. وكان ذلك عصرا ذهبيا. حتى جاءت نهايته، مثل كل شيء مجيد وجيد . أتت بداية النهاية مع دورة اضطررت إلى أخذ ها في قسم الفلسفة والآداب بالجامعة الوطنية. أعطيت من قبل نجل المدير، لذلك لم يكن ممكنا أن أرفض دون  تعرض عملي للخطر. فقبلت. الدورة كانت تسمي  - ما اثار رعبي وذعري - " الرقص لتحسين الاتصال ."
 التمرين الأول في ورشة العمل تضمن اختراع روتين للرقص، في أزواج. صادف كون شريكي شابة نحيلة، والتي، على الرغم رقتها في الواقع،لم تكن جميلة ولا قبيحة. استخدمتني هذه الفلاكا[1] بمثابة عمود، لترقص حولي بالاسلوب  الفني الرشيق، والغريب الشائع لراقصة الستينيات، تونغوليلي[2]، بينما  تقطعت، في محاولتي لتابعة الإيقاع الصعب للأغنية، والتي تجاهلتها تماما. انزلقت يدها على جسمي، ودست أصابعها في شعري، فتحت أزرار قميصي . واصلت قطع نفسي واعيا . وبحلول الوقت الذي انتهت فيه الأغنية، كانت أنوثة فلاكا في كامل ازهارها  وقد فقدتُ بكارتي، و تحولتُ إلى راقص الاتصال المحسن، واقفا شبه عار على المسرح المبلط بالباركيه في قسم الفلسفة والآداب، خصيتاي بحجم علجومين . نهاية الذكرى .
 لحفظ ماء الوجه، لم يكن لدي أي خيار سوى أن أتزوج فلاكا بعد بضعة أشهر. وبمرور الوقت ،  صارت حاملا . تركت وظيفتي في مصنع العصير، لأنها اعتقدت أن لدى موهبة حقيقية في الرقص وربما حتى المسرح، ويجب أن لا اضيع المزيد من الوقت. أصبحت مشروعها الشخصي، خدمتها الاجتماعية ومساهمتها في نهضة البلاد. كانت فلاكا قد درست في مدرسة كاثوليكية غير مختلطة ، وكانت منحرفة  جنسيا مثل أي فتاة مكسيكية بيضاء و غنية. لكنها  تمردت، أو هكذا قالت، وأخذت  تدرس لتصبح بوذية. كما أنها اذخرت ما يكفي من مكاسبها - أكاذيب: كان ذلك المال من والدهاما عرضته كدعم لي إذا كان أمر الرقص و المسرح لم يتصادف  أن كان مجزيا بما اراه كافيا . وكنت على استعداد للمضي في ذلك. انتقلت إلى شقتها المتضخمة في بولانكو وعشت حياة الأمير. بعد ذلك، و كما يحدث دائما، بعدها بوقت قصير جدا، صارت فلاكا كتلة من الدهون.
 بجميع الهمة التي وضعتها فيه، وعلى الرغم من الكمال المادي لجسديتي ، لم أتمكن من العثور على عمل كراقص معاصر أو كممثل. أديت اختبارا لشركة ايكاروس الهاوي للرقص ، البعد البديل، السباق الكوني، وحتى لمجموعة الفضاء المفتوح، والتي، وكما يوحي اسمها، مفتوحة للغاية وتقبل أي شخص. لا شى. تم قبولي تقريبا في فرقة الفنون الشعبية ولكن في النهاية نال قصير له جسم روبيان واسم طنان يبعث على السخرية .. برندي ..العمل على الفور.
 تسكعت لفترة من الوقت ، كما يقول نابليون، كالخشب الأخضر الذي لا يحترق والشجرة التي لا تضرب بجذورها. فقررت فلاكا ان علي تثقيف نفسي، حتى انها أجبرني على الجلوس  في دروس فقه اللغة الكلاسيكية ومحاضرات الأدب الحديث في الجامعة الوطنيةكرهت في البداية حياة الفصول الدراسية، ثم تعودت عليها ، أعتقد لأنني رجل مرن. واتجهز لاصبح  أبا، قلت لنفسي، علي أن اكون قادرا على احكي لابني أو ابنتي القصص. أنا لا أعرف ما إذا كنت طالبا جيدا، لأنها لم تعطني الدرجات، ولكن على الأقل تمكنت من القراءة. لم أكن اتقبل الروائيين، لكنني احببت بعض الشعراء، وبالتأكيد جميع كتاب المقالات: السيد ميشيل دي مونتين، السيد روسو، السيد تشيسترتون، السيدة وولف. أكثر من أي شيء آخر، إلا أنني أحب الكلاسيكية. قرأت لهم من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، كلمة شرف. وكان المفضل لدي هو غايوس سوتونيوس ترانكويللوس، الذي مازلت اعود لكتابه القياصرة الاثني عشر حتى الان، معجزة الحكمة، في كل ليلة قبل النوم.
 حالما اكون في السرير، وقد سحبت البطانيات لتصل إلى صدري،  اتحسس بيدي اليمنى تحت الوسادة لأسحب الكتاب كما يسحب  راعي البقر المسدس من تحت وسادته، ولكن ببطء أكثر قليلا. ثم أغمض عيني، وباستخدام كلتا اليدين، افتح الكتاب وا رفعه فوق رأسي، واسمح لصفحاته ان تتدلى فوقي. ثم أقربها ببطء إلى وجهي، حتى يلامس أنفي حافة الصفحات ويندس بين اثنين منها. تلك هي الصفحات التي قرأت. وكثيرا ما اكتب التاريخ الذي قرأتهم فيه في الهامش مع القليل من الملاحظات . في 16 أغسطس 1985، على سبيل المثال، كتبت، "سوف أكون مثل أوكتافيوس أوغسطس عندما أكبر "، وقد وضعت خطا تحت الفقرة الأولى التي قرأتها:
 كانت أسنانه صغيرة، قليلة ومسوسة [...] حاجبيه اجتمعت فوق أنفه. له آذان بالحجم العادي، وأنف بارز عند الجسر ومنحني إلى أسفل عند الحافة، وبشرة وسطية بين الدكنة والبياض [...] ويقال إن جسده قد شابته عيوب من مختلف الأنواع، كوكبة من سبعة وحمات على صدره وبطنه، مقابلة تماما للدب الأكبر، وعدد من بقع جافة صلبة مما يدل على اصابته بالسعفة، والناجمة عن حكة جلده والاستخدام القوي جدا للمكشطة في الحمامات [...]
 في 19 سبتمبر/أيلول 1985، حصل زلزال قوي في مدينة مكسيكو ، كما كان متوقعا من قبل جوليان هيربرت،عالم الفلك في يوميات إيكاتيبيك. ودقائق قليلة بعد ذلك، ولد سيدهارتا سانشيز توستادو. وهو ما تسميه فلاكا ابننا. أنا، من جهتي، أحب اسم يوكو، لأنني كنت دائما مهتما بالثقافة اليابانية والبيتلز. ولكن لان الطفل كان ولدا، علي القبول بخيار فلاكا . كنا قد اتفقنا على ذلك. ولد سيدهارتا سليما معافى، ودون أي ملامح مميزة. لن أقول أنه كان طفلا جميلا، ولكن كذلك لم يكن قبيحا. نهاية التعليق.


[1] - الفلاكا كلمة اسبانية تعني نحيل ورقيق وهش.
[2] - يولندا ايفون مونتيس فارنغتون .راقصة أفلام مكسيكية (1932-) . https://youtu.be/P3Gf4qUFP1I?list=RD6SD9pBdTiAc

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...