الجمعة، 25 نوفمبر 2016

8 قصائد - للشاعر الأمريكي بيلي كولينز-

Igor Morski

من مجموعته الشعرية محنة الشعر :

 صِبا



 وحيداً في الطابق السفلي،
أود أحيانا أن أخفض إحدى عيني
 إلى مستوى مسار السكة الحديدية الضيقة
 لمشاهدة القاطرة  النافثة
تسحب السيارات حول منعطف
 ثم تحدِّق في بعينها المبهرة .
 ما  الذي كان في تلك الأوقات
 قبل أن أرفع رأسي وأسمح للقطار
 أن يمضي صاخباً أمام أنفي؟
 أتذكر لا مبالاتي كثيراً
 بالعشب الزائف و المباني
 التي تُشكِّل المدينة المصغرة.
  أُكِن نفس الشعور نحو المحطة ومديرها،
 بوابات العبور والأضواء الساطعة،
سيارة الحليب ، السجلات التي بحجم قلم الرصاص،
 الرجال المعدنيون والنساء،
 برج المياه المتأرجح،
 ومرآة  البركة المستديرة .
 كل ما أردته هو أن أُعمى
 أكثر و أكثر بهذا الضوء المهتز
 فيما يتشبث القطار سريعاً بمساره البيضاوي.
 أو الأفضل من ذلك، أن أُغمض عيني،
 وأبقى هناك على القضبان الضيقة الباردة
 وأسمح للقطار أن يعبر نفقه خلالي
بالطريقة التي يعبر فيها نفقاً في الجبل
 بلون الصخور،
 وبعدها لن يكون هناك شيء
 سوى الصفير الطويل يقطع الظلام الدامس -
 لا الطابق السفلي، ولا الصبي،
 ولا ظهيرة الصيف الأبدية.


 بناية نسفت واجهتها


 كيف  تُنتهك فجأة
 الخصوصية في مدينة مقصوفة،
 كيف  يتعرى الأن ورق الجدران
المخطط بالأزرق و الأبيض
في  غرفة نوم بالطابق الثاني
 معرضاً لتساقط الثلوج الخفيف
 كما لو أن الغرفة قد أجابت الإنفجار
 مرتدية فقط بيجامتها المخططة .
 بعض الجيران والجنود
ينكشون الأنقاض تحتها
 ويحدقون للأعلى في الدرج المشنوق،
 في صورةٍ لجدٍ،
في  الباب المتدلي من مفصل واحد.
 والحمام يكاد يُشعِر بالحرج
 بجدران مغرته المكشوفة،
 والفوضى المتلوية لسباكته،
 الحوض الغارق حتى ركبتيه،
 مِزق ستارة الحمام،
 الفقاعات المفقأة للسمكة الذهبية.
تبدو الغرفة مثل منظر لبيت دُمى
 كما لو كان  بإمكان طفل  على ركبتيه أن يصلها
 و يلتقط المكتب، أو يمدد تجاعيد صورة.
 أو أنها غرفة على ركحٍ
 في مسرحية بلا شخوص،
 ولا حوار أو حضور،
بلا بداية أو وسط والنهاية
 مجرد قطع الأثاث المكسورة في الشارع،
 حذاء بين أحجار الطوب،
 الثلوج الخفيفة لاتزال تسقط
 على برج الكنيسة البعيد، و على أناس
 يعبرون جسراً لا يزال قائماً.
 وأبعد من ذلك، الغربان في شجرة،
 تمثال لزعيم على حصان،
 وغيوم تبدو مثل دخان،
 وأبعد من ذلك ، في بلد آخر
 على لحاف تحت شجرة ظليلة،
 يسكبُ رجلٌ النبيذَ في كأسين
 و تفك إمراءةٌ
  المماسك عن سبتٍ من الخوص
 مليئة بالخبز والجبن، وأنواع من الزيتون.

 

نظارة خاصة



 كان علي أن أرسل في طلبها
 لأنها ليست متاحة في أي متجر.
 تبدو مثل أي نظارة شمسية
 بلون خفيف و إطارات فضية،
 وبدلاً من تصفيتها أشعة
  الشمس الضارة ،
  تصفي  عنك بصرك الضار -
وأنتِ  على  النهج،
 تنتظرين في محطة حافلاتي،
 وأنتِ ، تواجهين نافذة المساء.
 كل صباح أضعها
 وأخرج من الباب الجانبي
أصفِّر لحن شكر لأنفي
 وأذني لحملهما لها في مكانها، هكذا،
 أغني أغنية إمتنان
 لصانع العدسات في مقعده الثقيل
 و للعدسات ذاتها
 لأنها تتيح  له أن يجيء تاماً، كله ماعداك.
 كيف تعرف الفرق
 بين الأسيجة الخضراء، والجدران الحجرية،
 و أنتِ بعيدة عني ،
 لاتزال حافلات المدرسة تومض في المطر
  وتأتي، بالإضافة لساعي بريد يلوّح بيده
 و كلاب الجارة الأم وابنتها ،
 ثم هناك غلاية الشاي
 على وشك أن تعزف نوتتها
 كل شيء يبحر جيدا ماعداك، يافتاتي.
 نعم، تماما كما يمر الهواء ليلاً من خلال الشاش،
 ولكن دون بعوض،
 وكما يُدوّم الماء في المصرف،
 دون قشر البيض،
 لذا تعبر التعريشة المزهرة والقمر
 خلال نظارتي الخاصة، ولكن دونكِ .
 دعيني أُبقي الأمر بهذه الطريقة،أقول لنفسي،
 فيما أضع نظارتي على الطاولة الليلية،
 وأسحب سلسلة المصباح،
وأتلو صلاة،- خلافاً لأغنية -
 أني لن أراكِ في أحلامي.


الحبل المظفور



اليوم التالي فيما كنتُ  أرتد ببطء
 عن الجدران الزرقاء الشاحبة لهذه الغرفة،
قافزاً من الآلة الكاتبة  إلى البيانو،
 من رف الكتب  إلى مغلف ملقى على الأرض،
  وجدت نفسي في حرف الحاء بالقاموس
 حيث وقعت عيني على كلمة الحبل.
 لا كعك قضمه روائي فرنسي
 يمكنه أن يرسل  المرء أكثر فجأة إلى الماضي،
 ماضٍ حيث كنت جالساً إلى طاولة في مخيم
قرب بحيرة آديرونداك العميقة
 أتعلم كيفية جدل شرائط رقيقة من البلاستيك
لأصنع حبلاً، أهديه لأمي.
 لم يسبق لي أن رأيت شخصاً يستخدم الحبل
 أو يضع واحداً، إذا كان ذلك ما تفعلوه به ،
 لكن ذلك لم يمنعني من الفتل
 شريط وراء اخر مراراً وتكراراً
 حتى صنعت
 حبلاً مظفوراً مربعاً
 أحمر وأبيض لأمي.
 من أعطتني الحياة والحليب من صدرها،
 وأعطيتها الحبل.
 من رعتني  أيام مرضي الكثيرة،
 رفعت ملعقة الدواء إلى شفتي،
 وضعت الكمادات الباردة  على جبهتي،
 ثم قادتني إلى الضوء المهوأ
 وعلمتني المشي والسباحة،
 وأنا، في المقابل، أهديتها الحبل المظفور .
 خذ الآلاف من وجبات الطعام، قالت:
 وخذ الملبس والتعليم الجيد.
 وخذي هذا الحبل، أجبتها،
 الذي صنعته بالقليل من مساعدة مستشار.
 ها هو جسد  يتنفس وقلب نابض،
 قوي الساقين والعظام والأسنان،
 وعينان صافيتان لقراءة العالم، همستْ،
 هاهو، قلتُ،  الحبل الذي صنعته في المخيم.
 وهنا، وددت أن أقول لها الآن،
 أنه هدية صغيرة ، لا تتعلق بالحكمة القديمة
 القائلة أنه لا يمكنك أبداً سداد  دينُ أمك،
لكنه قبولها الحزين عندما أخذت
 ذلك الحبل المزدوج من يدي،
  ما أكد لي كصبي حينها أنه يمكن
 لهذا  الذي لا طائل منه، والشيءالذي لا قيمة له
 و كنت قد ظفرته بسبب الملل
 أن يكون كافياً لجعلنا  متعادلين.




 صبي  يطلق النارعلى تمثال



 في وقت متأخر بعد الظهر،
 بداية فصل الشتاء، والثلج خفيف،
 كنت الوحيد في حديقة صغيرة
 لأشهد الصبي الوحيد يجري
 في دوائر حول قاعدة تمثال من البرونز.
 لم أتمكن  من قراءة إسم منحوتة
 رجل الدولة  الذي لاح في الآعلى،
و يده  على وركه البارد،
 فيما  يركض الولد،  دائباً،
 يوجه أصبعاً نحو التمثال
 ويسحب زناداً وهمياً
 مقلداً صوت إطلاق النار السريع.
 حل المساء ثقيلاً، وغاص عطارد،
 لكن الصبي بقي يجري في دائرةِ
  آثار أقدامه على الثلج
 ويطلق النار عشوائياً في الهواء.
 لن يجدالتاريخ أبداً طريقة ينتهي فيها،
 فكرتُ، وأنا أغادر الحديقة من البوابة الشمالية
 وأمشى ببطء الى المنزل
 أعود إلى طاولة مكتبي
 حيث  الورق الذي أكتب عليه
 كان مثل قطع من الزجاج
 يمكنني أن أرى من خلالها
 مئات من الطيور السوداء تَحُوم دائرةً في السماء تحتها.
  

 عبقري



 كانَ ما يصفونكَ  به في المدرسة الثانوية
 إذا  تعثرتَ في رباط حذاءك  في الردهة
 وتناثرت كل كتبكَ.
 أما إذا دخلتَ في باب خزانة مفتوحة،
فلكَ ان تُعرف باسم أينشتاين،
 الذي تصور ركوب الترام إلى ما لا نهاية.
 لاحقاً، يصبح العبقري  شخصاً
 يمكنه أن يأخذ قطعة من الطباشير ويكتب  قيمة باي تربيع
 لمائة خانة خارج العلامة العشرية
 أو رجلاً يدهن على ظهره فوق سقالة،
 أو يرسمَ ناعورة ماء في الهامش،
 أو يدندنَ قليلاً من موسيقى ليلية.
ولكن باكراً و في وقت سابق من هذا الأسبوع  على الممشى المشجّر،
 فكرتُ أن البجع الطائر على الخزان
 كانوا العباقرة الحقيقيون،
 فهم الذين عرفوا كيفية الطيران،
و كيف يكونوا جميلين وقساة معاً،
 وكيف يتزاوجون مدى الحياة.
 أربعة وعشرين عبقرياً  كلهم،
 لأني عددتهم كما فعل ييتس،
منتشرين على  السطح البللوري الهاديء
 ثمانية وأربعون إذا حسبنا انعكاسهم الأبيض معهم،
أوحتى خمسون إذا رغبت في حشري
 والكلبة التي تجري أمامي،
 والتي كانت على الأقل ذكية بما يكفي لتكون بالخارج
 ذلك اليوم، تتشمم الأرض،
وأنا ارفع رأسي في هواء الصباح المشرق.




 الطالب



 كتابي لتعلًّم الشعر،
 الذي إشتريته من مسطبة في الهواء الطلق على طول النهر،
 يحوي العديد من القواعد
 حول ما يجب تجنبه وما  يجب أن يُتبع.
 وجود أكثر من شخصين في قصيدة
 يُعدُّ حشداً، هذا أحدها.
 أذكر الثياب التي ترتديها
 فيما تؤلف، هذا آخر.
 تجنب كلمة دوامة،
 وكلمة مخملي، وكلمة الزيز.
 عندما  تكون في حيرة النهاية
 إجعل بعض الدجاج البني يقف في المطر.
 لا تقر أبداً أنك تنقح.
 واحرص دائماً على إبقاء قصيدتك في زمن واحد.
 أحاول أن أضع  ذلك في اعتباري،
 لكن في الأيام الأخيرة من الصيف
 كلما تطلعت من صفحتي
 ورأيت  علامة حرق على الأوراق الصفراء،
 أفكر في الرياح الشديدة البرودة
  التي قريباً ستطعنني من خلال سترتي.





 الحاصد



فيما أقود شمالاً على طول الطريق الريفي
 ذات صباح يوم ربيعي مشرق
 لمحت رجلا على جانب الطريق
 كان يحمل منجلا هائلا على كتفه.
 لم يكن يرتدي عباءة سوداء طويلة
 بغطاء يخفي جمجمته
وكان يلبس قميصا أبيض ممزقاً
 وزوجاً من سراويل الكاكي الفضفاضة.
 ولكنه تمهل، فيما عبرتُ بجانبه،
و اِلتفت  ونظرَ إليّ  لوهلة
 كما لو كان موعدي في سامراء،
و ليس غدائي المعتاد في  راكون لودج.
 ليس بوسعي أن اشير له
 في تلك اللحظة ولا حتى بتحية عارضة،
أو برفع الإبهام إلى أعلى، أو الإصبعين بشكل حرف V
 إشارة بإمكانها تخفيف هزة الخوف
 التي سرت كهربائها من كاحلي
 حتى فروة رأسي، مجرد نظرة،
 غلق البؤبؤ لجزء من الثانية
 مثل  نظرة من غريب  يمرق في قطار عابر.
 لم يكن بإمكاني فعلُ شيء
 سوى مواصلة القيادة، وإطفاء الراديو،
 وملاحظة كيف هو بياض البيوت ،
  و حُمرة الحظائر ، وخُضرة الحقول المنحدرة .

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...