الثلاثاء، 9 مايو 2017

يوري اريرا. علامات تسبق نهاية العالم




الأرض

أنا ميتة ، قالت ماكينا لنفسها وكل شيء  يتترنح من حولها : رجل بعصا كان يعبر الشارع،   تأوه غائم ارتفع   فجأة عبر الأسفلت، وقف الرجل متسمرا  كما لو كان في انتظار شخص  اخر يكرر السؤال ثم انفتحت الأرض تحت قدميه  وابتلعته ، ابتلعت معه سيارة وكلب، وكل الأكسجين حولهم  حتى صراخ المارة.
 أنا ميتة لا محالة قالت ماكينا لنفسها، وما كادت  تقول ذلك حتى بدا جسدها ينازع هذا القرار واخذت قدماها تتأرجحان بشكل محموم الى الخلف ، كل خطوة كانت تجعلها قيد  بوصة من فتحة الارض، ثم أستقرت الهاوية اخذت شكل دائرة كاملة، وهكذا نجت .
مدينة زلقة عاهرة قالت لنفسها. يهمها دائما أن يغرق أحد مرة أخرى في دركها الاسفل .
 تلك كانت المرة الأولى التي تتأثر فيها بجنون الأرض. كانت بلدة صغيرة مزقتها  ثقوب الرصاص وتعاني أنفاقها الملل من خمسة قرون قضتها  في شهوة الفضة الشرهة، ومن وقت لأخر تكتشف  روح  بائسة ما  بالصدفة المحضة فقط  أى مهمة مزرية  انجزت  للتغطية علي ذلك . فقد أرسلت بالفعل بعض المنازل موظبة إلى العالم السفلي، وكذلك ملعب كرة قدم و  نصف مدرسة فارغة.
 تحصل هذه الأشياء  دائما مع شخص آخر، حتى  تحدث معك، فكرت ، وهى تلقي نظرة سريعة على حافة الهاوية، تعاطفا مع تلك الروح المسكينة وهي تشق طريقها الى الجحيم. مسارات سعيدة، قالت دون سخرية، ثم تمتمت  الافضل لي  أن انتبه لمهمتي.
نادتها والدتها، كورا،وقالت لها  اذهبي وخذي هذه الورقة لأخيك. أنا لا أحب أن أرسلك يا طفلتي ، ولكن من غيرك أئتمنه على هذه المهمة ؟ الرجال؟ ثم احتضنها، وابقتها في حضنها، دون دراما أو دموع عانقتها ببساطة . هذا ما تفعله كورا: فحتى لو كنت على بعد خطوتين منها  ستحس دائما كما لو انك في حضنها، تدس وجهك بين ثدييها البنيين العامرين ،وتستند الى  رقبتها الواسعة المكتنزة؛ و ما أن تتحدث إليك حتى تشعرأنك فى آمان تام.  قالت اذهبي إلى البلدة الصغيرة، وتحدثي الى الكلاب الكبار، وكوني لطيفة و سوف يمدون لك يد العون .
لم يكن لديها سبب للذهاب لرؤية السيد  دبل يو أولا ، ولكن التوق للمياه قادها إلى البخار حيث يقضى وقته. كان يمكنها أن تشعر بالارض على طول الطريق تحت أظافرها كما لو أنها كانت من  عليه ان يسقط أسفل الحفرة  تالياً.
كان الحارس الفخور، فتى دموياً فضحته ماكينا ذات مرة. وقد حصل ذلك بالطريقة الخرقاء التى تحصل بها مثل تلك الأشياء عادة، فالرجال، كل الرجال، مقتنعون بأنهم رماة مهرة ، و لأنه  أخطأ عند التسديد عليها  ،كان على ذلك الشاب أن ينكس رأسه كلما نظر اليها. تمشت  ماكينا وتجاوزته  فخرج من كابينته وكأنه يقول لا أحد يمر من هنا ، أو بالأحرى ليس أنت ، أنت بالذات  لن تمري من هنا،
ولكن دافعه ذاك استمر لثلاث ثوان، لأنها لم تتوقف وهو لم يجرؤ على قول أي من تلك الأشياء، لم يستطع سوى  رفع عينيه بنظرة مستبدة فى حين  مرت أمامه  ودخلت الحمام التركي.
كان منظر السيد دبل يو مبهجا ، وكل استدارته الشاحبة تغضنها  عروق زرقاء صغيرة.
كان السيد دبل يو في غرفة البخار. يقلب صفحات جريدة الصباح التى كانت تلتصق على البلاط وهو يقشرها عنه صفحة بعد أخرى  كلما  تقدم في القراءة.  نظر الى  ماكينا ، غير مندهش. وقال لها  ما الأمر. هل تريدين  بيرة ؟ نعم، قالت ماكينا. فأنتزع السيد دبل يو زجاجة البيرة من دلو من الثلج عند قدميه، مسح قمتها بيده ثم دفع بها إليها.  فتح كل منهما زجاجته وشربا  بنفس واحد، كما لو كانا في مسابقة. كانا في صمت  يستمعان لأصوات الماء  وقرقرته فى الداخل و الخارج.
- كيف هى السيدة العجوز؟ تساءل السيد دبل يو.
مر زمن طويل، منذ قدمت كورا  المساعدة الى السيد دبل يو  ؛ لم  تعرف ماكينا مالذي حدث بالضبط، ،  ففي الوقت الذي كان فيه  السيد دبل يو  يمضي هارباً  ابقته كورا مختبأً عندها  حتى  مرت العاصفة .  ومنذ ذلك الحين، صار القانون  هو ماتقوله كلمات كورا.
 - كما  تعرف.  لاتزال على قيد الحياة، كما يحلو لها القول.
 أومأ السيد دبل يو برأسه ، فأضافت ماكينا  أنها ترسلني فى مهمة ، وأشارت بيدها .
-  إلى الجانب الآخر؟  تساءل السيد دبل يو . أومأت  ماكينا نعم.
 - حسنا، أذهبي، وأنا سوف أرسل قبلك بكلمة. حالما تكوني هناك  سوف يستقبلك احد رجالي.
 - من هو؟
 - سوف يعرفك.
جلسا في صمت مرة أخرى. فكرت ماكينا انه يمكنها ان تسمع كل المياه في جسمها تشق طريقها من خلال بشرتها إلى السطح. كان ذلك لطيفا، كانت دائما ما تسمتع  بالصمت صحبة السيد دبل يو، منذ أن التقت به  لأول مرة  عندما كان مختبئا كحيوان ، خائفا،و نحيفا ،كانت تجلب له شراب  البالك[1] وشرائح البقر. ولكنه كان عليها أن تذهب، وليس فقط لتفعل ما كان عليها أن تفعله، ولكن لأنه مهما كان ضيقا وقتها  معه، فهي تعرف أنه لا يُسمح لها أن تكون هناك. كان شيء واحد يعطيها استثناء، وشيء آخر تماما يغير القواعد. شكرته، فقال السيد دبل يو  لا عليك من ذلك  ياابنتي، فأحست بالفخر.
 عرفت أين تجد السيد أتيش لكنها لم تكن  متأكدة من أنها ستستطيع الدخول عليه ، وعلى الرغم من انها تعرف أيضا الرجل الذي يحرس المدخل هناك، : (غطاء محرك السيارة) الذى قابلت كلماته المعسولة بالرفض والازدراء ، لانها تعرف  أمثاله. فقد قيل أنه قام بقتل امرأة، من ضمن  أشياء أخرى.
وتركها  ملقاة على جانب الطريق داخل برميل زيت بناء على أوامر من السيد اتيش. وعندما   سألته ماكينا  ان كان ذلك حقيقيا بينما كان يغازلها ، كان كل ما قاله هو ومن يهتم إذا فعل ذلك أم لا، ما يهم هو أني أرضيهم جميعا. وجدت ماكينا قوله ذاك مضحكا.
 وصلت الى المكان. حانة راسكولينكوفا[2] Pulquería Raskolnikova. كما تقول اللوحة، و تحتها، كان الحراس متواجدين .  لم تستطع تجاوز هذا الحارس ، لذا  توقفت أمامه وقاله له  أرجو أن تسأله إن كان سيقابلني. رد الحارس بنظرة جليدية مليئة بالكره وأعطى إشارته، دون أن يتزحزح من الباب؛ حشر قطعة من العلكة في فمه، ومضغها لبعض الوقت، ثم بصقها. ارسل عينيه فى ماكينا لفترة طويلة . ثم تحولت  نظراته الى  فتور، كما لو كان يتجسس  لتمضية الوقت، مثل متسكع في بار، عاد  واتكأ الى الحائط. صامتا لم يقل شيئا. فتذمرت ماكينا حتى تشدق الحارس: هل ستدخلين أم لا؟
كان من بالداخل  لا يزيد عن خمسة سكارى. من الصعب أن تقول على وجه اليقين، لانه  كثيرا ما يكون هناك  وجه ساقط  في نشارة الخشب. رائحة المكان، كانت كما ينبغي لها ، تفوح بالبول والفواكه المتخمرة. في الجزء الخلفي، يفصل الستار الحثالة من الناس عن كبار الشخصيات: على الرغم من أنه  مجرد قطعة من القماش، فلا أحد يدخل الحرم الداخلي من دون إذن. ليس لدي اليوم بطوله، سمعت ماكينا السيد اتيش يتكلم .
سحبت الستار جانبا فوجدت ورائه   القميص الذى طبعت عليه الطيور  وبريق الذهب حيث كان السيد اتيش يلعب الدومينو مع ثلاثة من البلطجية التابعين له . بدا لها  البلطجية  جميعا  متشابهين  و ليس لأحدهم أسما  بقدر ما أمكنها أن تعرف، وليس احد منهم دون سلاح . كان  هناك  السفاح  45 على جهة  السيد اتيش   وهما يلعبان ضد اثنين اخرين  من البلطجية   . كان لدى السيد اتيش ثلاثة أحجار من  الدومينو في يده وهو يحملق في ماكينا دون أن يقرر أن يضعهم . لم يكن يفكر  بدعوتها للجلوس.
لقد أخبرت أخي أين يذهب لتسوية بعض الأعمال.قالت ماكينا وأنا الآن خارجة للبحث عنه.
ضم السيد اتيش  قبضته حول عظام يديه وحدق مباشرة في وجهها.
 وهل كنت ستعبرين ؟ سألها بلهفة، وعلى الرغم من أن الإجابة كانت واضحة.فقد قالت ماكينا نعم.
ابتسم السيد اتيش، بخبث،  بكل الحذرالذى يملكه ثعبان يتنكر في زي رجل قد يلتف حول ساقيك. صرخ بشيء بلغة لم تفهمها ماكينا ، وعندما أطل البارمان  برأسه من الستارقال له احضر  بعض البلكي للسيدة الشابة.
اختفى راس البارمان ورد السيد اتيش بالطبع، يا سيدتي الشابة، بالطبع ...
انت تطلبين مساعدتي ، أليس كذلك؟ انا  فخور جدا لتوضيح ذلك انت تطلبين مني المساعدة وأنا،  أنظري في وجهي، أنا أقول لك بالطبع.
هنا تكمن الحيلة .  السيد اتيش كان  من النوع الذي لا يمكن أن يرى بغل دون ان تعتريه الرغبة في امتطاءه . ابتسم السيد اتيش وواصل الابتسام ، لكنه يبقى مخلوقا من الزواحف يلبس بنطالا. من يعرف  ماذا كانت  الصفقة بين هذا الثقيل و والدتها. كانت تعرف أنهم لن يتحدثوا عنها ، ولكنهم يتركونها لغطرسته كاحد كلاب الصفوة. نشر شخص ما  انه وكورا كانا على صلة، وقال أخر انه كان  لديهم فأس ليدفنوها معا ، وهي لم تسأل أبدا، لأنه إذا كان على كورا أن لا تخبرك فسيكون ذلك  لسبب ما . ولكن ماكينا اشتمت  رائحة الشر في الهواء. هنا تكمن الخدعة.


[1] البالك : شراب كحولي مكسيكي يصنع من نسغ نبات الماغوايي وهو نوع من الاغاف agave . المترجم
[2] - راسكولينكوف بطل الجريمة والعقاب لديستويفسكي. المترجم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...