طيبة الإنسان ورائحة الكوارسون الساخن - روين أوجين

توطئة

ليس  هذا كتيب ارشادات في الأخلاق

    هذا الكتاب عبارة عن مقدمة عامة في الاخلاق ولكنه  ليس ذريعة لإرشاد أحد كيف يعيش، ولا مهمته تعليم تاريخ الأفكار الأخلاقية منذ أصولها حتى وقتنا الحاضر، وبالترتيب الزمني. طموحه هو أكثر تواضعا بكثير: أن يضع تحت تصرف أولئك الذين قد يكونوا مهتمين بنوع من الأدوات الفكرية وتمكينهم من تحدي الجدل الأخلاقي، دون السماح لهم ان يكونوا موضع ترهيب من قبل الكلمات الكبيرة ( "الكرامة" "الفضيلة" "الواجب" وما شابه ذلك) أوالإعلانات الكبرى للمبادىء ( "لايجب أن يعامل أي شخص كمجرد وسيلة" وهلم جرا). إذا لم تصبح هذه العناوين علامات تجارية مسجلة،فقد أصفها بانها ليست دليل ارشادات في الأخلاق أو دورة قصيرة في الدفاع الذاتي الفكري ضد الاخلاقية. ولأن علينا التعامل مع كتاب في الفلسفة وليس رواية بوليسية، سأفترض أن لا أحد منا سيكون محبطا إذا ما "قتلت التشويق" من خلال تقديم أفكاري الرئيسية مباشرة و على الفور.وهي التي يمكن تلخيصها في شكل افتراضين:

 1. ليس صحيحا أن معتقداتنا الأخلاقية غير ذات قيمة على الإطلاق إذا كان من المستحيل أن  ترتكز على مبدأ واحد لا جدال فيه (الله، الطبيعة، المتعة، المشاعر والعقل، وهلم جرا ): في علم الأخلاق، يمكننا أن نعمل بدون "الأسس"

2. الاعتراف بشكل معين من تعددية المذاهب والأساليب هو الخيار الأكثر منطقية في الأخلاق.

 أنا بالطبع لست الوحيد الذي يحافظ على هذه الأنواع من اللاأسسية والتعددية الفكرية[i] لكني أجرؤ على القول أن أصالة الدفاع عنهم  تكمن في حقيقة الاستناد بشكل كلي تقريبا على الدراسة النقدية لاثنين من المكونات الأساسية للـــ"المطبخ" الأخلاقي : البداهة وقواعد المنطق .

ما هي البداهة الأخلاقية؟

 ما هو دور التفكير الأخلاقي ؟

 الطهو الاخلاقي

 بعض الحجج الأخلاقية بسيطة للغاية. و تأخذ شكل الحكم الصريح على ما هو جيد أو سيئ، عادل أو غير عادل، الذي لاأحد ينزعج حتى لتبريره، لظهوره في شكل بديهي. على سبيل المثال: عندما نرى طفلا يغرق فنحن نحاول إنقاذه. وسيكون من الوحشية عدم فعل شيء لمساعدته على الخروج من الماء[ii]. ومن أجل وصف هذه الأحكام المباشرة، العفوية، و التي تزعم أنها بديهية، أصبح الفلاسفة معتادين على القول بأنها من البديهيات الأخلاقية. أما الحجج الأخلاقية الأخرى فهي أكثر تعقيدا. فهي تربط الحدس معا عن طريق العلاقات الفكرية وهي القواعد الأولية في التفكير الأخلاقي. وبالتالي، من أجل أن يشجب  الضمير البريء للأغنياء، الذين لا يفعلون شيئا أو لا شيء تقريبا لوضع حد للمجاعة والفقر المدقع الذي يوجد في العالم، يقدم بيتر سينغر، الفيلسوف الذي ترجع شهرته لمعركته بلا هوادة ضد الزراعة الالية ، الحجة التالية: من خلال إعطاءك لشيء بسيط أو لا شيء تقريبا إلى المنظمات التي تسعى لمكافحة المجاعة في العالم، فأنت تؤدي بالعديد من الأطفال فى العديد من البلدان الي الموت. وانت تتصرف تماما بمثل وحشية ان تسمح لهم بالغرق أمام عينيك في بركة ودون أن ترفع اصبعك لإنقاذهم ⁴سيكون من المدهش جدا إذا كفت هذه الحجة لإقناع الأثرياء بمشاركة ما لديهم من الثروة. ولكن من المثير للاهتمام للغاية حتى الآن بالنظر الي بنائها . يضع بيتر سنجر على نفس الوضعية الأخلاقية واقع السماح للطفل الذي يغرق امام عينيك ان يموت  وترك طفل أخر في بلد بعيد يموت. وهو أكد أن هذين الشكلين من السلوك هما وحشيين على حد سواء. انها مقارنةمفتوحة بالتأكيد للجدال . ولكن ما يهمني هو الحقيقة  الجذابة في انضمامها ضمنا إلى واحدة من القواعد الأولية في التفكير الأخلاقي:  الحالات المتشابهة يجب أن تعامل على حد سواء. في الواقع، للحجج الأخلاقية المعقدة دائما تقريبا نفس النموذج. أنها تستند، من جهة، على بديهية بسيطة تتعلق بما هو جيد أو سيئ، عادل أو غير عادل، ومن ناحية أخرى، تسند على قواعد المنطق الأخلاقي التي تقول لنا كيف يمكن تطبيقها. الحدس وقواعد المنطق هما من المكونات الأساسية للـــ"المطبخ" الاخلاقي . كيف يمكننا أن نعمق فهمنا للفكر الأخلاقي دون إجراء تحليل منهجي له، ودون محاولة للإجابة على الأسئلة الفلسفية التي تشكلها؟

ما هي؟

أسئلة  حول ما يتعلق بالقواعد والبديهيات

 ثلاث  من القواعد الابتدائية  للتفكير الأخلاقي معروفة جيدا: "يجب يعني يمكن" ( "فالمستحيل لا يطلب من أي شخص ")؛ "لا يمكن للمرء اشتقاق مايجب عليه  مما يكون عليه " ( "لا يجب الخلط بين الأحكام الصادرة من الواقع و بين أحكام القيم")؛ وأخيرا، " الحالات  المتشابهة يجب أن تعامل على حد سواء" ( "من الظلم استخدام مقياسين مختلفين لوزنين مختلفين"). يمكننا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان هناك قواعد آخرى، وما إذا كانوا واضحين ودقيقين بما فيه الكفاية، وما إذا كانوا متسقين مع بعضهم البعض، و ماإذا كان هناك نوعا من "العقيدة" التي لا يمكن تعويضها أو مقترحات مفتوحة ليجري التنافس بشأنها . تثار أيضا أسئلة كثيرة فيما يتعلق بالبديهية الأخلاقية. كيف لنا أن نعرفها؟ هل هي نفسها في كل مكان ومع الجميع، أم أنها تختلف من مجتمع إلى آخر ومن فرد إلى آخر؟ هل هي فطرية، أم يتم تعلمها ، أو القليل من الاثنان معا؟ هل هي محض ردود افعال عاطفية أم أحكاما عفوية لا يكون لها بالضرورة اي محتوى عاطفي؟ ما هو الدور الذي تلعبه البديهيات الأخلاقية في تفسير النظريات الأخلاقية الكبرى؟ من أجل محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، قمت بالاستخدام المكثف لما نسميه "الفلسفة الأخلاقية التجريبية"

ما هي الفلسفة الأخلاقية التجريبية؟

 الفلسفة الأخلاقية التجريبية هي نظام لا يزال في طور الحمل، يمزج بين الدراسة العلمية لأصول المعايير الأخلاقية في المجتمعات الإنسانية والحيوانية و بين الانعكاس على قيمة هذه المعايير، دون معرفة مسبقة في أي اتجاه بالضبط سوف تؤدي في نهاية المطاف، أو ما هي طبيعة مساهمتها في الفلسفة (ان وجدت).5 بالنسبة للمروجين له الاكثر حماسة، هو أسلوب ثوري من التحقيق يتم فيه التوجه نحو العلوم الطبيعية بهدف إيجاد وسيلة لتوضيح أو حل الأسئلة التقليدية للفلسفة ⁶. يفضل المروجين الأخرين، الذين هم إلى حد ما أقل حماسا، أو مهارة ،القول بأنه لاشيء جديد على الاطلاق في هذا النمط من التحقيق. ووفقا لهم، فان الفلسفة الأخلاقية التجريبية ببساطة تجدد الروابط بين العلوم الطبيعية والفلسفة، والتي كانت سابقا قريبة جدا، والتي لا ينبغي أبدا ان تنقطع، لأنه بفضلها تواصلت واستمرت المعرفة البشرية ⁷.

هذا جدال في تاريخ الأفكار وأنا لا أنوي أن أدخل فيه . ما يهمني هو حقيقة أن الفلسفة الأخلاقية التجريبية تقترح خمس فئات من البيانات التجريبية عرضة للمساهمة في الانعكاس الأخلاقي:

 1. التحقيقات في البديهيات الأخلاقية لكل واحد منا.

2. التحقيقات في التفكير الأخلاقي لكل واحد منا.

 3. التجارب المختبرية المتعلقة بالكرم أو بالقسوة البشرية .

 4. بحوث علم النفس في التطور الأخلاقي للأطفال.

 5. الاعتبارات الأنثروبولوجية  لتنوع النظم الأخلاقية.

وسيكون من السخف، في نظري، أن نقرر مسبقا أن مثل هذه الأعمال سيكون بأي وسيلةكانت عاملا على توضيح مسائل الفلسفة الأخلاقية، بحجة أن لديه علاقة بالحقائق وليس القيم أو المعايير، وأن هناك هاوية من  التثاؤب بين هذين النوعين من التحقيقات. بالنسبة لبعض الفلاسفة، فان المعارضة بين البحث العلمي والتفكير الأخلاقي لم يعد يمكن الدفاع عنها. وهي عقيده ميتة⁸.  و دون الخوض بقدر ذلك، يمكننا أن نتساءل عن معناها الدقيق والتأكد من أنه لا يزال مفتوحا للتمعن الناقد .