الخميس، 24 نوفمبر 2016

كلاريس ليسبكتور - نفحة من حياة



كلاريس ليسبكتور

أخاف أن أكتب. أنه أمر خطير جدا. وأي شخص حاول ذلك يعرفه، يعرف خطر إثارة الأشياء الخفية - والعالم الذي ليس على السطح، لأن جذوره غارقة في أعماق البحر. من أجل الكتابة عليّ أن أضع نفسي في الخواء . هذا الفراغ هو المكان الذي أنا موجود فيه بشكل حدسي. لكنه فراغ خطير رهيب: انه أن اكتب دماً . أنا الكاتب الذي يتقي فخاخ الكلمات: الكلمات التي أقولها تُخفي أخريات – من هي؟ التي ربما سأقولها. فالكتابة  إلقاء حجر في بئر عميق.
تأمل خفيف ورقيق في اللاشيء. أنا أكتب خاليا تماما تقريبا من جسدي. كما لو كان طيراناً. روحي فارغة بسبب الكثير من السعادات. أشعر بحرية حميمة تشبه فقط امتطاء حصان عبر الحقول دون أي وجهة. أنا بلا مصير. ربما يكون مصيري هو الوصول إلى الحرية؟ ليست هناك تجاعيد على روحي تنتشر في زبد ناعم . لم اعُد اهتاج. و هذا لذيذ.
أسمع الموسيقى. يستخدم ديبوسي زبد البحر المائت على الرمال، في انحسار وتدفق. باخ هو عالم رياضيات. موزارت إلهي غير المشخص. شوبان يكشف عن حياته الأكثر حميمية. شوينبيرج، من خلال أناه، يصل النفس الكلاسيكية للجميع. بيتهوفن هو الإكسير البشري العاصف الباحث عن الألوهية التي لايعثر عليها إلا في الموت فقط. أما بالنسبة لي، فلاأفعل مع الموسيقى شيئا، أنا ابلغ فقط عتبة كلمة جديدة. دون شجاعة لفضحها. مفرداتي حزينة وأحيانا كلحن واجنري مجنون . أنا أكتب ببساطة و عري شديدين . هذا سبب انها تجرح. أنا المشهد الرمادي والأزرق. أنا الارتفاع في نافورة جافة وفي الضوء البارد.
أريد أن أكتب بلا قواعد  بنيوية،كما لو مع الزوايا الحادة ، لمثلث غامض جامد  مرسوم بالمسطرة والفرجار .
أ تعني عبارة "الكتابة" أنها موجودة في حد ذاتها وعن ذاتها ؟ كلا. انها مجرد انعكاس لشيء يتساءل . أنا أعمل بما هو غير متوقع. وأنا أكتب بالطريقة التي أفعل دون معرفة كيف ولماذا - انها قَدَرُ صوتي. جرس صوتي هو انا. الكتابةُ استعلام. انها هذا : ؟
أيمكن أن أكون أخون نفسي؟ أيمكن لي أن أغير مجرى النهر؟ يجب أن أثق بذلك النهر الوفير. أو ربما أنا الذي يبني السدود على النهر؟ أحاول فتح بوابات الفيضان، اريد ان اتفرج على تدفق المياه. أريد لكل جملة في هذا الكتاب ان تكون في ذروتها.
يجب أن أكون صبوراً فالثمار ستكون مفاجئة.
هذا كتاب هادئ. يتحدث، ويتحدث بهدوء.
هذا كتاب جديد - خرج مؤخرا من العدم. عُزف بدقة وثقة على البيانو وكل نوته فيه سليمة وكاملة ، والكل متميز عن غيره. هذا الكتاب حمامة زاجلة . أنا أكتب من أجل لا شيء وليس لأي احد. كل من يقرأ لي يفعل ذلك على مسؤوليته الخاصة. أنا لا انتج أدبا : أنا أعيش ببساطة في مرور الوقت. فعل الكتابة هو نتيجة حتمية لكوني على قيد الحياة. لقد فقدت رؤية نفسي منذ وقت طويل حتى أني متردد في محاولة العثور عليها. أخشى أن ابدأ. الوجود أحيانا يصيب قلبي بالخفقان. أنا خائف جدا من أن اكون  انا . أنا في غاية الخطورة.  لقد منحوني اسما ونفّروني من نفسي.
أشعر كما لو أني ما زلت لا أكتب. وأني أتوقع واريد وسيلة للتحدث تكون أكثر خيالية، وأكثر دقة، وبها المزيد من نشوة الطرب، وتصنع  لوالب في الهواء.
كل كتاب جديد هو رحلة. لكنها رحلة بعينين مغمضتين  خلال بحار لم تكتشف أبدا من قبل - الكمامة على العيون، ورعب الظلام هما كُلّيين . عندما أحس إلهاماً ، أموت من الخوف لأنني أعرف أني و لمرة أخرى سأكون  مسافرا وحدي في هذا العالم الذي يصدني. شخصياتي ليست موضع لوم وأنا أعاملها بأحسن ما في استطاعتي. تظهر من اي مكان. فهي إلهام. الإلهام ليس الجنون. انه اله. مشكلتي هي الخوف من الجنون. ولا بد لي من السيطرة على نفسي. هناك قوانين  تحكم الاتصالات. اختفاء الشخصية  هو أحد أشراطها . الانعزالية والجهل خطيئة بالمعنى العام. والجنون  هو الالحاح في ان يكونا متحكمين على حد سواء.القيود التي تلجمني هي المادة الخام التي علي العمل عليها طويلاً طالما أني لم أصل إلى هدفي.
 أعيش في لحمي الحي، وهذا هو السبب في أني أبذل مثل هذا الجهد لأمنح شخصياتي جلداً سميكاً . ولكن لا يمكنني التصدي لها وجعلها تبكي بدون سبب.
الجذور التي تحرك النفس لم تزرع أو أنها جذور أسنان ؟ لأني أيضا اتخلص من قيودي: أقتل ما يقلقني ،الخير والشر يزعجني وأنا أتهيأ كلياً لمواجهة عالم هو في داخلي، أنا الذي يكتب ليحرر نفسه من العبء الصعب لشخص يَكونُ ذاته .
في كل كلمة يدق القلب. الكتابة هي البحث عن الصدق الحميم للحياة. الحياة  التي تقض مضجعي وتترك قلبي المرتجف يعاني آلاما لا تحصى تبدو ضرورية لنضجي - النضج؟ لقد عشت طوال هذه المدة  من دونه !
نعم. يبدو أن الوقت قد حان للقبول التام بالحياة الغامضة لأولئك الذين سيموتون ذات يوم. يجب أن أبدأ بقبول نفسي وليس الشعور برعب العقوبة في كل مرة أقع فيها ، لأني عندما اقع، الجنس البشري في داخلي يقع أيضا. أقبل نفسي تماما؟ هذا يعد انتهاكا لحياتي بالذات. كل تغيير، وكل مشروع جديد أعده مخيفا: قلبي خائف. وهذا هو السبب في ان لكل كلمة من كلماتي  قلب حيث يتدفق الدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

  كافكا - حكم تسوراو 1 المسار الصحيح يكون على طول حبل، ليس حبلاً معلقا في الهواء، بل حبلاً ممدداً على الأرض. وهو يشبه سلك ا...